يروى أن بشراً الحافي مر على بيت فسمع فيه صوت الدفوف, والمزامير, والغناء! فقرع الباب، فخرجت
إليه امرأة, قال لها: من صاحب هذا البيت؟
قالت: ماذا تريد منه؟
قال: أريد أن أعلم أعبد هو أم حر؟
قالت: لا بل هو حر, قال لها: أخبريه بأن بشراً الحافي يقول لك: إن كنت حراً فاصنع ما شئت, وإن كنت
عبداً فلا تتصرف إلا بإذن سيدك. فضحكت المرأة وذهبت للرجل، وقالت: في الباب رجل مخبول! يقول:
كذا وكذا,
قال: كلا والله! هذا هو عين العقل، صدق, أنا عبد ولست حراً, أنا عبد لله عز وجل, وما عندي من مال
ومتاع, لا يجوز لي أن أتصرف فيه إلا بإذن سيدي وهو الله تعالى, فتاب إلى الله تعالى، وكسر مزاميره,
وطنابيره, وأقلع عما كان يفعله.
ينبغي أن نحدد موقفنا بوضوح إن كنا عبيداً لله, فالعبودية لله لا تقبل الشركة، أن تكون عبداً لله ولغير لله,
يقول الله عز وجل: {أنا أغنى الشركاء عن الشرك, من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري فأنا منه بريء،
وهو للذي أشرك}, والله عز وجل هو أكرم الأكرمين.
فبالنسبة لعبيده الذين رضوا بعبوديته، فالله تعالى يجود عليهم, فإذا أخطئوا أو قصروا, أو فرطوا, ثم
قالوا: يا رب! أخطأنا، وقصرنا، وفرطنا يفتح لهم أبوابه, ويقول لهم: لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] ويقول لهم: {يا عبادي لو أن أولكم وآخركم
وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني, فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي} قوله
كلام، عطاؤه كلام، ومنعه كلام: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] كل شيء يكون
بهذه الكلمة, ويقول: {يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا -يعني ملء الأرض- ثم لقيتني لا تشرك
بي شيئاً, -لاحظ الشرط لأتيتك بقرابها مغفرة}.
فهو جل وعلا واسع, كريم, جواد, وهاب, وكفى من سعة كرمه جل وعلا أن يعطي الجنة! هل يستحق أحد الجنة؟
لا والله، لا أحد يستحق الجنة, يعني: يستحق أن يكون مخلداً في الجنة آماداً وآباداً متطاولة لا نهاية لها،
في نعيم لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع, وحرير، وصحاف، ودر، ونعيم، ما تجلى لقلب بشر، أو دنا منه فكر! لا أحد يستحق هذا البتة, إلا بفضل الله تعالى.
فالله تعالى يعطي " هَذَا عَطَاؤُنَا [صّ:39] المهم أن تكون عند لله -فعلاً- في رمضان وفي غير رمضان،
رمضان فرصة لنحدد أمورنا، فلا تبقى المسألة هكذا في المناسبات فقط، لابد أن نحدد الموقف جيداً إذا
كنا عبيداً لله من الآن، نحدد طريقنا أننا عبيد لله, ونحرص على مرضاته, وحتى حين نخطئ نسرع بالتوبة إلى الله، قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].